
حوارات حول الأفكار…(150)
بقلم / د. حيدرمعتصم
(مدير مركز الخرطوم للحوار)
المدخل:
الدولة ليست مجرد جهاز بيروقراطي ولا سلطة تنفيذية ولا حتى مؤسسات دستورية فقط… بل هي صورة مكتملة للمجتمع حين يعبر عن ذاته بحرية وعدالة وانتماء.
وحين تختل علاقة الدولة بالمجتمع، تضطرب كل مكونات الأمن، ويتهدد البناء من أساسه.
الفكرة المركزية:
الدولة لا تقوم على الأرض والسلطة فقط، بل تقوم أولاً على الهوية التي يتوحد حولها الناس،
وعلى المجتمع الذي يمنحها مشروعيتها،
وعلى الأمن القومي الذي يحفظ لحمتها من التفكك.
ثلاثية البناء:
1. الهوية الجامعة:
هي التي تمنح الدولة معناها، وتحول التنوع من تهديد إلى مصدر غنى.
لا يمكن لدولة أن تُبنى فوق هوية مهيمنة أو إقصائية، بل على هوية تتسع للجميع، وتشكل مرجعية وجدانية وقيمية مشتركة.
2. المجتمع الحي:
حين يكون المجتمع منظمًا وفاعلًا عبر مؤسساته المدنية والأهلية، يصبح هو الضامن الحقيقي لبقاء الدولة واستقرارها، ويمنع تحوّل السلطة إلى طغيان أو تغوّل.
3. الأمن القومي الشامل:
ليس فقط حماية الحدود، بل يشمل الأمن الثقافي، الأمن الغذائي، الأمن الصحي، الأمن النفسي والوجداني.
وحين تُبنى الدولة على قاعدة من العدالة والمشاركة والوعي الجمعي، فإن المجتمع نفسه يصبح خط الدفاع الأول عن أمنه القومي.
الرؤية الفكرية للمشروع :
المشروع الفكري الذي نؤمن به يقوم على إعادة بناء الدولة لا بإصلاح الشكل السياسي القائم، بل بإعادة تأسيسها من القاعدة: من المجتمع والهوية والأمن القومي.
الدولة التي نطمح إليها:
تستمد قوتها من المجتمع، لا من العسكر أو الحزب.
تُبنى مؤسساتها على الشفافية والعدالة، لا على المحاصصات.
تصوغ دستورها من تعاقد اجتماعي لا من وثائق فوقية.
تُفهم السلطة فيها بوصفها خدمة، لا امتيازًا.
لماذا هذا الطريق؟
لأن كل المحاولات السابقة لبناء الدولة السودانية أخفقت لأنها تجاوزت المجتمع، وأقصت هويته المشتركة، وأغفلت الأمن القومي الشامل.
وبالتالي، فإن مشروع البناء الجديد لا يمر عبر الانقلابات أو الانتخابات فقط، بل عبر ثورة مجتمعية هادئة تعيد ترتيب العلاقة بين الدولة والمجتمع.
الخاتمة:
حين تتصالح الدولة مع المجتمع،
وحين تتسق مع هوية أهلها،
وحين تتحول مؤسساتها إلى أدوات أمن وعدالة وكرامة…
عندها فقط نستطيع أن نقول إننا بدأنا بناء الدولة السودانية الحقيقية.
📌2مايو 2024